Iyad Al Ghafari 

 

mail@iyad.org

البحار و الدرويش

 

بعد أن عانى دُوارَ البَحر،

والضَوْءَ المداجي عَبْرَ عَتـْمات الطريقْ،

ومَدى المجهول يَنشَقُّ عن المجهول،

عن مَوت محيقْ.

يَنـْشُرُ الأكفانَ زُرْقاً للغَريقْ.

وتـَمَطـَّتْ في فراغ الأُفق أشداقُ كهوف

لـَفـَّها وَهْجُ اَلحريقْ.

بعد أنْ راوغهُ الريحُ رماهُ

الريحُ للشرْق العَريقْ.

 

حط َّ في أرْض حكى عَنها الرُّوَاة:

حانةٌ كَسْلى، أساطيرٌ، صلاة .

ونَخيلٌ فاتر الظلِّ رَخيُّ اَلهْيَنماتْ .

مَطْرَحٌ رَطبٌ يُميت الحسَّ

في أعصابه الحَرَّى، يميت الذكرَياتْ،

والصدى النائي المدوِّي،

وغوَايات المواني النائياتْ.

 

آه لو يسعفُه زُهْدُ الدَراويش العُراةْ

دوَّخَتـْهُم حَلقاتُ الذِّكْرِ

فاجتازُوا الحَيَاة.

حَلَقاتٌ حلَقاتْ

حَوْلَ درويش عتيقْ

شرَّشَتْ رجلاه في الوَحْل وباتْ

ساكناً، يَمْتـَصُّ ما تـَنـْضَحُهُ الأرْضُ اَلموَاتْ،

في مطاوي جلده يَنـْمو طُفيليُّ النباتْ.

طحلبٌ شاخَ على الدهْر وَلَبلابٌ صفيقْ.

غائبٌ عن حسِّه لَنْ يَسْتـَفيقْ.

حَظـُّهُ مِنْ مَوْسم الخَصْبِ المدوِّي

في العُرُوقْ

رُقـَعٌ تـَزْرَعُ بالزهْوِ الأنيقْ

جلدَهُ الرثَّ العَتيقْ

 

هات خبِّرْ عن كنوز سَمَّرَتْ

عينَيك في الغَيْب العَميقْ

 

قابعٌ في مَطْرَحي من ألف ألف .

قابعٌ في ضفَّة الكِنـْج العَريقْ .

طـُرُقاتُ الأرْض مهما تتناءَى

عند بابي تـَنـْتـَهي كلُّ طريقْ،

وبكوخي يستَريحُ التَوْأَمان:

الله، والدهرُ السَحيق.

 

... وَأرى، ماذا أرى؟

مَوتاً، رَماداً وَحَريقْ...!

نـَزَلتْ في الشاطئ الغَربيِّ

حدِّقْ تَرَهَا... أمْ لا تـُطيقْ ؟

ذَلكَ الغولَ الذي يُرْغي

فيُرغي الطينُ محموماً، وتنْحَمُّ اَلمواني

وَإذا بالأرْض حُبلى تَتَلَوَّى وَتُعاني

فَوْرَةً في الطين من آن لآن

فَورَةً كانت أثينا، ثُمَّ روما..!

وَهْجَ حمَّى حشرجتْ في صَدر فاني

خَلـَّفـَتْ مَطْرَحَهَا بعضَ بُثُور،

ورماد من نفايات الزمان

 

ذَلكَ الغُولُ المُعاني

ما أراهُ غيرَ طفل

من مواليد الثواني

ويَداً شمطاءَ منْ أعصابه تـَنـْسُلُ

أكفاناً لهُ واَلموْتُ داني

 

وَتَرَاني

قابعاً في مَطْرَحي من ألف ألف .

قابعاً في ضفَّة الكنج العَريقْ .

وبكوخي يستريحُ التَوأمان:

الله، والدهرُ السحيق .

 

أَتـُرَى حُمِّلـْتَ من صِدق الرؤى

ما لا تـُطيقْ ؟

 

خلـِّني! ماتت بعَيْنيَّ

مناراتُ الطَريقْ .

خلـِّني أمض إلى ما لستُ أدري .

لن تغاويني المواني النائياتْ .

بعضُها طينٌ محمَّى ،

بعضُها طينٌ مواتْ

آه كم أُحْرِقْتُ في الطين المحمَّى .

آه كم متُّ مع الطين المواتْ .

لن تغاويني المواني النائياتْ.

خلِّني للبحر، للرِّيح، لموت

ينشُرُ الأكفانَ زُرقاً للغَريقْ.

مُبْحرٌ ماتَتْ بعَينَيه مناراتُ الطريقْ .

ماتَ ذاكَ الضوء في عينيه ماتْ .

لا البطولات تنجِّيه، ولا ذلُّ الصلاة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــ خليل حاوي، ديوان نهر الرماد، بيروت - 1957.